(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ... وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ..) (٩ : ٩٧ ـ ١٠١).
ففي الآية سلب لما يدعى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) وإثبات لإسلام هو قبل الإيمان : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ورجاء الإيمان بعد الإسلام للذين لم ينافقوا بإسلامهم : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ورحمة ثانيه لمن سلك سبيل الايمان ، أن يؤتى ـ بأعماله قبل الايمان ـ ثواب الأعمال بعد الايمان : (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)! لفتة حبيبة لمن أسلموا من الأعراب «ولما يؤمنوا» فضلا عن الذين آمنوا فأحرى لهم وأولى!.
ثم الإسلام إسلامان ، إسلام أول هو قبل الإيمان فهو دونه كما هنا ، وإسلام آخر هو مع الإيمان وبعده ، كما في غيرها فهو فوقه ، وهو إسلام النبيين وسائر الأصفياء.
فالإسلام الأول أعم من الإيمان ، حيث الإيمان : «معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان» (١) وهذا الإسلام فارغ عن العقد في القلب (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) كما والإسلام الثاني أخص من الايمان ، فمن المؤمنين من لم يسلموا بخالص التوحيد لرب العالمين : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٢ : ١٠٦) ومنهم من أسلموا : بعد كامل الايمان : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (٦ : ١٤) (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ..) (٤ : ١٢٥) (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ
__________________
(١). الدر المنثور : اخرج ابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب (ع) قال : قال رسول الله (ص) : ..