قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٢ : ٦٧) فإذا هي تجهّل موسى الرسول عليه السلام ، لو هزء وإن كانت من الإسرائيلين العارمين ، فما هي إذا ممن (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) أو هم خير على يقين؟.
إن السخرية من أي إنسان ، محظور في هذا المثلث بكل زواياه ، ولأن الزاوية الوسطى هي الأكثر : ـ أن يزعم الساخر أنه خير من المسخور منه ولذلك يسخر منه ـ ركز النهي في الآية بها ، ثم آية البقرة عممت النهي : إن السخرية جهالة ولو كانت من نبي ولن يكون ، فكيف ممن (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ).
إنه ليست السخرية على أية حال إلا جهالة ، فلو أنه أدنى منك ولحد الكفر ، فليست للسخرية دور مع الكافر ، فإنها تزيد في نفوره وكفره ، إذ قد يحتج على الساخر أن ليس له برهان ، فلذلك يسخر مني ، أم إنه رذيل يترذل بمن يراه أدنى منه ، بدل أن يحاول في علاجه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فلا لك كمؤمن أن تسخر من أحد وإن كان يسخر منك ، اللهم إلا جزاء السخر بسخر مثله ، عقابا وفاقا وعند الإياس من انتباهه عن غفلته وغفوته ، والإيقان أنه يعاند مقصرا ، فليست السخرية الجزاء ـ إذا ـ جهالة ، بل وقد تكون حسنا أو واجبا وكما من نوح : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (٤٩ : ١١) فما لبثوا أن سخرت منهم أمواج الطوفان : (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وكيف ركز النهي هناك على «قوم من قوم أو نساء من نساء» والسخرية محرمة وإن بين قوم ونساء؟ لأن هزء الجنس من جنسه هو طبيعة الحال ، قضية التحاسد التكاثر (١) ، وكما تشير بنكاية الهزء الجماهيري وأنه أتعس من أن يسخر
__________________
(١) الدر المنثور : اخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في آية السخر قال : نزلت في قوم من بني تميم استهزءوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وابن فهره وسالم مولى أبي حذيفة.