الإلهية لهم خير مأمن ومؤمّن ، يجنحون إليها بغية الفرار عن حكم الظالمين ، والقرار الى حكم الله رب العالمين ، وهذه مغمزة في نظر الكبراء المستكبرين ان (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ)(١). ف «لو» لا «إن» تشير الى مدى استبعادهم لكون القرآن خيرا لحد الاستحالة ، ولحد يتحاشون أن يخاطبوهم بهذه القولة الهاوية ، فاعتبروهم غيّبا : (ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) وهم حضور! ولأنهم غيّب عن المثل العليا وهم حضور ، وقولهم لهم يعني ما يرجع لهم بغير خطاب ان يخاطبوا أضرابهم بهذه القولة المضللة كيلا يفكروا في الإيمان ابدا.
وإنها الهوى والادعاءات الهباء ، يتعاظم بها أهل الغنى والكبرياء ، يجعلون من أنفسهم الخواء محورا للحياة كلها ، كأنهم هم ولا سواهم الأحياء المتقدمون السابقون في خيراتها ، فيعتزون بالثقافات اللاهية الجوفاء ، وبالأجداد والآباء ، وبسائر ما إليها من اعتبارات فارغة غثاء ، فيغمضون ويلتهون عن الحق باختلاق المعاذير ، وافتلاق المحاظير على الحق واهله ، كأن كل ما يهوون فهو الحق ، وما لا يهوون فهو الباطل ، أسماء فارغة يسمونها ، متغافلين عن براهين الحق الناصعة ، وأدلته الناصحة ، فويل لهم مما يأفكون (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) كأن ليست فيه هدى إذ لم يهتدوا به ، كالأعمى الناكر لضوء الشمس لأنه لا يهتدي به.
(إِفْكٌ قَدِيمٌ)! : مصروف عن وجه الحق ، مختلق سابق : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٥ : ٦).
__________________
(١) الدر المنثور : ٦ / ٤٠ ـ اخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال : كانت لعمر ابن الخطاب امة أسلمت قبله يقال لها زنيرة فكان عمر يضربها على إسلامها وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا ما سبقتنا اليه زنيرة فأنزل الله هذه الآية.