وقد تصرح أو تلمح آيات من السورة أنها نزلت بعد فتح مكة : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) كما الأخرى تشير إلى جو الحديبية : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ..) مما يدل ان السورة امتدت منذ الحديبية حتى فتح مكة ، ولكي تشمل بشارة الفتحين كونا وكيانا ، دلالة وزمانا!.
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) :
(إِنَّا) ـ هنا ـ تلمح إلى جمعية الصفات رحمانية ورحيمية ، دون الذات المقدسة الإلهية ، وإنما هي الصفات الفائضة بها الخيرات ، الممكن افاضتها (لَكَ) في فتوحات ، وقد برزت هنا (فَتْحاً مُبِيناً) : أبانت وبينت شوكة الإسلام ، شائكة في عيون المناوئين المحتلين عاصمة الرسالة ومركز الدعوة الأصيلة ، وأبانت وشيكة ومهانة للمشركين ، (فَتْحاً) هو فتح الفتوح ، فإنه بوحدته كل الفتوح ، حيث ترجع به العاصمة إلى زعيم الدولة فهذا الفتح (لَكَ) كمتن في الرسالة ، وإن كان لكافة المسلمين كهوامش فيها. (مُبِيناً) يبين ما خفي من حق أو باطل ، يبين وعد الله المتين لرسوله الأمين : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) و (مُبِيناً) : يفصل ويبين بين الدوائر المتربصة بالرسول وبالمؤمنين ، حيث انخمدت به نيران الهجمات والهمجات عليه ، وانجمدت كافة الحركات الثورات والعرقلات ضدّه ، (فَتْحاً) فيه كل خير فائض لحدّ يعتبره الرسول خيرا من الدنيا وما فيها ومما طلعت عليه الشمس وغربت ، وليس تنوين التنكير هنا توهينا وتنكيرا لمحتد الفتح ، وإنما تعظيما له بحيث لا يعرف موقفه إلّا أن يعرّفه فاتحه كما عرف في مواصفات أربع :
(فَتْحاً) يدعم لصاحب هذه الرسالية السامية قوائم أربع لعرش الدعوة والدعاية :