أنجعل خلق السماوات والأرض باطلا ومن بطلانه (أَمْ نَجْعَلُ ...) أم نجعل» تسوية بين الصالحين والطالحين ، فكما المفسدين والفجار ليس لهم في ظن الذين كفروا حساب ، كذلك المتقين ليس لهم ثواب ، فهؤلاء إذ ينكرون المعاد ، هم يسوون بين الفريقين في حساب الله حين لا حساب ولا عقاب ولا ثواب ، بل وللفجار فضلهم إذ حظوا بحرية الشهوات يوم الدنيا والمتقون محرومون ، و (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) «وما الله بظلام للعبيد» ... ف «لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ، لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل» (١).
ولكي يظهر الحق ناصحا ناصعا وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، فهذا :
(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٩).
إنه «مبارك» فيه من كافة البركات التي ترقى بالإنسان من أسفل السافلين إلى أعلى عليين ، (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) لا ليقرأوه او يتبركوا بوجوده ، إنما (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) أن يجعلوا الآيات دبر بعض ، تفسيرا لبعضها ببعض ، وتفكيرا في بعضها البعض ، سردا رتيبا أديبا رائعا في لباب الآيات (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ).
... والآية القرآنية تتدبر من زوايا ثلاث ولكي يظهر لبابها لأولى الألباب.
__________________
(١) تفسير البرهان ٤ : ٤٦ ـ الكافي بسند عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال : لا ينبغي ... لم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا).