قومه؟ وهو ذهاب دون إباق (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً)! ولماذا الإباق بمجرد المغاضبة وهي مستمرة في تاريخ الرسالات! أم إباقا خوف العذاب الموعود لهم وهو على الأشراف وهو (عَذابَ الْخِزْيِ) : (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ ...)!
علّ الإباق يشمل الثلاثة كلها ، وطبعا دون إباق عن الرسالة ، بل قلة الصمود عليها وكما يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «كان رجلا تعتريه الحدة وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عما حمل من ثقل أوتار النبوة وأعلامها ...» (١)
«أبق» عن قومه ، وعن العذاب المشرف عليهم ، وعن التصبّر في تداوم الدعوة (أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) المملوء من مختلف الركاب ، ظنا أن فيه نجاته ولكن :
(فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(١٤١) والدحض هو إزالة ما لا يعنى ، فمن «ساهم» مساهمة الاقتراع (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) نعرف أن الفلك أصبح ثقيلا براكبيه ، مشرفا على الغرق ، فكان ولا بد من إنجاء الجميع دحض البعض ، ولكيلا يتنازعوا اقترعوا «والقرعة لكل أمر مشكل» فحصل هنالك «مدحضون» قدر اللازم من تخفيف العبء ، (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) في البحر ولكنه هو بين المدحضين :
(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)(١٤٢) نفسه ، لماذا أبق عن قومه إلى الفلك فأصبح ما ظنه نجاتا سجنا أو هلاكا ، كرا على أشرّ مما فرّ!.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٣٩٧ في تفسير العياشي عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) كتب امير المؤمنين (عليه السلام) قال : حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان جبرئيل حدثه ان يونس بن متى بعثه الله الى قومه وهو ابن ثلاثين سنة وكان رجلا ... الحديث بطوله ذكرناه في ٢٩ : ٧٨ من الفرقان.