«قالوا» الغاوون المشركون (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) مع بعض ، طواغيت وأصناما «تالله» الذي لا إله إلّا هو «إن كنا» بتأكيد أكيد (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) غارقين في خضمّه (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) تسوية جاهلة ، ظالمة قاحلة ، فانها في كل حقولها ضلال مبين يبين ضلاله.
فكل تسوية بالله ، في ذاته او صفاته أو أفعاله ، في عبوديته واحترامه كمعبود ، في حرمة قلبية أو طقوس قالبية ، كل ذلك ضلال مبين ، بين إشراك جلي أو خفي أو عصيان. ف «اعلم ان من شبه ربّنا الجليل بتباين أعضاء خلقه ، وبتلاحم أحقاق مفاصله ، المحتجبة بتدبير حكمته ، إنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته ، ولم يا شهد قلبه اليقين بأنه لا ندّ له ، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) فمن ساوى ربنا بشيء فقد عدل به ، والعادل به كافر بما تنزلت به محكمات آياته ونطقت به شواهد بيناته ، لأنه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهبّ فكرها مكيّفا ، وفي حواصل هويّات همم النفوس محدودا مصرّفا ، المنشئ اصناف الأشياء بلا رويّة احتاج إليها ، ولا قريحة غريزة أضمر عليها ، ولا تجربة أفادها من موجودات الدهور ، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور» (١).
وترى كيف (نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وهم كانوا يعبدونهم دون الله؟ علّ القصد من التسوية في اصل العبادة ، فكما الله يعبد كذلك كنا نعبد أصناما كأنها الله.
ثم التسوية بين الله وخلقه محظور في كل الحقول المعرفية والعبودية والطاعة والاحترام ، إن كانت تسوية واقعية فضلال مبين ، وإن كانت
__________________
(١) التوحيد للصدوق خطبة لعلي (عليه السلام) يقول فيها : ايها السائل اعلم ...