أتراه سقى لهما حسب النوبة؟ أم تطلّب منهم تقدم النوبة؟ كلّ محتمل ، ولكن القوة المعروضة في قالة إحداهما (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) إنها تخرج حالة السقي لهما عن العادة ، فلتكن قوة بارعة خارقة أقوى من كل الرعاع ، وهنا قد يصدق ما يروى انه كان يجتمع على الدلو رجال حتى يخرجوه من البئر لعظمه وثقله (١) فاستقل موسى بمفرده لإخراجه ، مما سمح له منهم ان يسقي لهما قبل النوبة.
وأضف إليها القوة النفسية التي أوقعت في قلوب الرعاة هالة الانجذاب إليه ، حيث الناس يتأثرون بالقوات النفسية اكثر من البدنية ، فمن الجائز أنهما لمستا منه القوتين فاعترفتا عند أبيهما انه «قوي».
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ١٢٠ القمي في تتمة القصة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) .. ومر نحو مدين وكان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة ايام فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقي الناس منها لاغنامهم ودوابهم فقعدنا حية ولم يكن أكل منذ ثلاثة ايام شيئا فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر فقال : ما لكما لا تسقيان فقالتا كما حكى الله عز وجل : (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فرحمهما موسى (عليه السلام) ودنا من البئر فقال لمن على البئر أسقي لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة رجال فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيب وسقى أغنامهما ثم تولى إلى الظل فقال : رب اني لما أنزلت الي من خير فقير ـ كان شديد الجوع.
وفيه عن كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) .. فانتهى إلى اصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر وإذا عندها امة من الناس يسقون وإذا جاريتان ضعيفتان وإذا معهما غنيمة لهما «قال ما خطبكما قالتا : أبونا شيخ كبير ونحن جاريتان صغيرتان لا نقدر ان نزاحم الرجال فإذا سقى الناس سقينا فرحمهما فأخذ دلوهما فقال لهما : قدما غنمكما فسقى لهما ثم رجعتا بكرة قبل الناس ثم تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها وقال «رب ..» فلما رجعت إلى أبيهما قال : ما أعجلكما في هذه الساعة؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لأحداهما اذهبي فأعديه لي فجاءته إحداهما ...».