الحرجة ، على كونه مكدودا؟ كلّا! وهو الرءوف الحنون حتى بشيعته الغوي المبين ، فكيف لا يرأف بامرأتين ضعيفتين في هذا البين ، فليسأل عنهما وقد سأل : (قالَ ما خَطْبُكُما) والخطب هو الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب والتساءل ، ولقد كان أمرهما ـ في أصل السقي وهما امرأتان ، وفي التأخر عن السقي ـ كان يبعث للتساؤل والتخاطب ، فجاء الجواب عن الأمرين في ذلك الخطب الجلل.
أما التأخر عن السقي ف (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) إنهاء لسقيهم وإخلاء للماء حتى نسقي ولا رعاء ، مهما جئنا قبلهم ام قبل بعضهم ، إذ نحتشم عن الخلط بالرجال الغرباء.
وأما أصل السقي لنا ولأنعامنا ونحن امرأتان؟ ف (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لا يقدر على الرعي ومجالدة الرجال ، فنحن على أنوثتنا وضعفنا أقوى منه ، وبطبيعة الحال ليس له أبناء حتى يكفوا عنه وعنّا ، فسقينا ـ إذا ـ ضرورة معيشية تسمح لهكذا كدّ وكدح للسقي.
هنا تثور الغيرة الموسوية للإقدام على السقي لهما رغم حالته المحرجة ، حيث لا تمنعه عن القيام بواجبه الحاضر ، فيصبح خير ناصر لمن لا يعرفهما ، ولكنه عارف عجزهما وحاجتهما إلى معين ، ويعرف مرضات الله في تلك الإعانة.
(فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ٢٤.
(فَسَقى لَهُما) وكيف سقى ، طبعا قبل ان يصدر الرعاء كلّا أو بعضا ، فإن سقيه لهما بعد إصدارهم عن آخرهم ليست فيه معونة زائدة على سقيهما بعد الإصدار.