فحسبوا ان الطغيان حقه المطلق والثورة تخلّفة عن الإصلاح! فإذا رأوا مظلوما يصرخ أو يستصرخ ، أم عطوفا يجيب إلى صرخته فيدافع عنه ، حسبوه جبارا في الأرض ، متخلفا عن السنة المتبعة وهي الحياد أمام الطاغي والانقياد للباغي!.
أجل إنه لا ينكر أن الاشتباكات الفردية للداعية شبكات لانزلاقه في الفخ ، إذ لا تجدي في قلب الأوضاع الغاشمة ، كما كف الله المسلمين في العهد المكي عن تلكم الاشتباكات حتى آن أوانه ، ولذلك يخاطب موسى من سببها ب (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) واعترف على نفسه «(إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) ولكنه ليس بذلك جبارا في الأرض ، وإنما وقع في فخّ من وكزته دفاعا واجبا عليه في الظرف المختلق خلاف ما يهواه.
لقد تفشى خبر قتله بالأمس رجلا من رجال فرعون ، وهو طبيعة الحال ، قضية استطارة الغضب من آل فرعون على موسى الملاحق من قبله ، واستطارة الفرح في بني إسرائيل ، فالقبيلان ـ إذا ـ هما إذاعتان لإشاعة ذلك النبإ حتى فشى وتطاير بين كل الجماهير ، ومنهم هذا الذي أراد موسى ان يبطش به ، فائتمروا به ليقتلوه فنجاه الله من القوم الظالمين :
(وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ٢٠ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ٢١.
ويا لرجال من أقصى المدينة ، ليسوا في أوساطها كالأغلبية الساحقة من المترفين ، بل هم العائشون في حوامشها البعيدة القاصية ، يا لهم من رجولات وبطولات للحفاظ على الرسالات الإلهية ، فهنا (رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) إلى موسى ، وهناك (رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) إلى رسل عيسى ،