في البلاط الفرعوني ، مستريحا في حياة تحضيرية لتلك الرسالة السامية ، وهو يرى كيف يسام قومه سوء العذاب بتذبيح الأبناء واستحياء النساء وسائر البغي اللئيم ، وابشع صورة للفساد الشايع الأثيم؟
ليست هذه سيرة المحسنين الذين يجزون حكما وعلما! بل كانت حياته في تلك الفترة إحسانا حسب المكنة بشعبه منذ غلمته (١) وكما أغاث الذي من شيعته على الذي من عدوّه ، فقد كان عطوفا بشيعته ، رقيبا عليهم ، وبطبيعة الحال منعزلا عن التأثر من جو البلاط الطاغي كما يمكن في تقية تحافظ على كيانه على قدر إمكانه ، وتلمح لهذه الحالة اجمالة (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تعقيبا رقيبا على بيئته قبل ان يؤتى حكما وعلما هكذا ، وكما دخوله المدينة على حين غفلة من أهلها لمحة صارحة باتبعاده عن المدينة خوفة من جلاوزة البلاط! :
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ١٥.
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ١١٧ عن تفسير القمي : .. فلما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس موسى فقال : الحمد لله رب العالمين ، فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال : ما هذا الذي يقول؟ فوثب موسى على لحيته وكان طويل اللحية فهلبها أى قلعها فألمه ألما شديدا فهم فرعون بقتله فقالت له امرأته : هذا غلام حدث لا يدري ما يقول وقد لطمته بلطمتك إياه فقال فرعون : بلى يدري ، فقالت له : ضع بين يديه تمرا وجمرا فإن ميز بين التمر والجمر فهو الذي تقول ، فوضع بين يديه تمرا وجمرا وقال له كل فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل (عليه السلام) فصرفها إلى الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون : الم أقل لك إنه لم يعقل؟ فعفى عنه.