(٤٣) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا.
(٤٤) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا
(٤٥) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا دعا صلوات الله عليه إلى الهدى وبيّن ضلاله واحتج عليه ابلغ احتجاج وارشقه برفق وحسن ادب حيث لم يصرّح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما لا يستحق للعبادة بوجه ثمّ دعاه إلى أن يتبعه ليهديه الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن مستقلاً بالنظر السّويّ ولم يسمّه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون اعرف بالطريق ثمّ ثبطه عمّا كان عليه بأنّه مع خلوّه عن النفع مستلزم للضرّ فانّه في الحقيقة عبادة الشيطان فانّه الامر به وبيّن ان الشيطان مستعص لربّك المولى للنّعم كلّها وكلّ عاص حقيق بأن يستردّ منه النّعم وينتقم منه ولذلك عقّبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجرّه إليه من صيرورته قريباً للشيطان في اللّعن والعذاب.
(٤٦) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ قابل استعطافه ولطفه في الإرشاد بالفظاظة وغلظة العناد فناداه باسمه ولم يقابل بيا بنيَّ وأخّره وقدّم الخبر على المبتدأ وصدّره بهمزة الإنكار على ضرب من التعجّب ثمّ هدّده لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن مقالك فيها والرّغبة عنها لَأَرْجُمَنَّكَ بلساني أو بالحجارة وَاهْجُرْنِي واحذرني واهجرني بالذّهاب عنّي مَلِيًّا زماناً طويلاً.
(٤٧) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ توديع ومتاركة ومقابلة للسّيئة بالحسنة اي لا اصيبك بمكروه ولا أقول لك بعد ما يؤذيك سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي لعلّه يوفّقك للتّوبة والايمان إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا بليغاً في البرّ والاعطاف.
(٤٨) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ بالمهاجرة بديني وَأَدْعُوا رَبِّي واعبده وحده عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا خائباً ضايع السّعي مثلكم في دعاء آلهتكم وفي تصدير الكلام بعسى التّواضع وهضم النفس والتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل غير واجب وان ملاك الامر خاتمته وهو غيب.