فالنفرة للجهاد هي انطلاقه من ثقل الأرض وقيدها ، تطلعا إلى علو السماء عن كيدها وميدها ، فما من مؤمن اثاقل إلى الأرض عن نفر الجهاد إلّا وفي إيمانه دخل وخلل ، حيث الحياة الإيمانية كلها جهاد ، ولقد (قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) (٩ : ٨١) فما دائكم وما دواءكم؟!
(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٣٩).
وهنا تهديد مديد بعد تهديد ، متواصلا في آيات عدة ليعدوا للجهاد عدّة وعدّة ، ف «إلا تنفروا» للجهاد (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) هنا وفي الأخرى ، فهنا تقلبون فتغلبون أما أشبه ، (١) وهنالك تعذبون ، ومما هنا «يستبدل» بكم (قَوْماً غَيْرَكُمْ) ممن لا يتهاون في الجهاد. ثم (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) فإن الله ليس ليغلب في المعارك فإنما أنتم تغلبون (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ف «انفروا رحمكم الله إلى قتال عدوكم ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف وتبوءوا بالذل ويكون نصيبكم الأخس ، إن أخا الحرب الأرق ـ لا ينام ـ ومن نام لم ينم عنه»(٢).
وهنا علّ (قَوْماً غَيْرَكُمْ) هم المعنيون ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٥ : ٥٤).
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٣٩ عن ابن عباس في الآية قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استنفر حيا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه فأنزل الله هذه الآية فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم.
(٢) نور الثقلين ٢ : ٢١٧ عن نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام).