عن الآخرة ، والثاني متاع التجارة أن تشترى به الآخرة ، والفارق أنه للكافرين (مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٦ : ١١٧) : متعة قليلة ، وللمؤمنين متاع في الآخرة حسب مساعيهم إن كثيرا فكثير وإن قليلا فقليل ، ومما يقلّل متاع الحياة الدنيا للمؤمنين أن يتثاقلوا عن الجهاد في سبيل الله بأرض المعركة ، إلى أرض الحياة تطويلا لها بزعمهم ، أم تطاولا فيها بمال ومنال! إم أنه قليل بجنب متاع الآخرة وإن كان للمؤمنين الصالحين الذين يشترون به الآخرة ، متاع قليل يشترى به متاع كثير وقد يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته حتى يرضي ربه ، وبئست الدار لمن صدّته عن آخرته وقصرت به عن رضى ربه وإذا قال العبد قبح الله الدنيا قالت الدنيا قبح الله أعصانا لربه (١).
ذلك ، فما الذي أثقلهم حينذاك عن النفر لقتال الروم؟ إنه شدة الحر ، وطيبة ثمار المدينة وقتذاك ، وبعد المسافة وشقة الطريق واستعظام الروم ، فاثّاقلوا ـ إذا ـ إلى الأرض كأنهم رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ، وإنها ثقلة أرض الحياة الدنيا ومطامعها ومطامحها ، ثقلة الخوف على حياة وزخرفاتها ولذائذها ومصالحها ومتعها ، ثقلة الدعة والأريحية المستقرة المستغرّة ، والعبارة تحمل لكل ثقلة كهذه وما أشبه بجرس اللفظ وقرص المعنى «اثاقلتم» : افتعال الثقل إلى السفل الثفل ، رغم الإيمان بالعلو ، غلبا لجاذبية الأرض على السماء ، وسلبا لرفرفة الأرواح وانطلاقة الأشواق.
__________________
ـ وعن أبي مالك سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة.
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٣٨ عن سعد بن طارق عن أبيه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ... وفيه عن سهل بن سعد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغط رجلا فقال : ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ، وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الدنيا سجن المؤمن وسنته فإذا خرج من الدنيا فارق السجن والسنة.