ينذرون بتلك الحجة التي تثبت مادة الإنذار ، اجتهادا أو تقليدا صالحين.
ولمكان الفرض المستفاد من (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) نرى واجب التفقه على الذين عليهم أن يفقّهوا ، أثقل مادة وكيفية من واجبة على الباقين ، على أنهم سواء في واجب أصل التفقه قدر القناعة الذاتية ، ثم المفروض على الآخرين التفقه في تقبل ذلك الفقه بأذن صاغية وقلوب واعية ، فإن بلغت لهم حجته تقبلوه ، وإلا فإلى من في إنذاره حجة دون أية وقفة في حقل التعلم.
وهكذا يبشّر عباد صالحون في حقول المعرفة الدينية : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣٩ : ١٨).
ثم التفقه في الدين ليس يختص بالأحكام حتى يحاول الحصول بالآية على حجية الخبر الواحد ، بل الأصل فيه هو أصل الدين وعلى هامشه فرعه ، فهل يتقبل أصل من الدين بخبر الواحد تقليديا؟ أم هو بحاجة إلى اقتناع بحجة مقبولة ، وهكذا شأن الفروع كما تقول آية الذكر : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) (١٦ : ٤٤) : اسألوهم بالبينات والزبر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وهم أهل الذكر بالبينات والزبر.
فقد ينحصر القبول في حقل الدين بالكتاب والسنة القطعية ، اجتهادا تفصيليا هو الاجتهاد ، أم إجماليا هو التقليد ، فليكن التقليد أيضا بالاجتهاد قدر المستطاع ، فالمسلمون كلهم متفقهون في الدين دونما استثناء مهما اختلفت الفاعليات والقابليات.
وحين يجب على غير النافرين إلى الجهاد أن يتفقهوا في الدين بوجه صالح مقبول ، كذلك على النافرين إذا رجعوا إليهم أن يتفقهوا منهم بوجه صالح مقبول وهو إتباع علم أو أثارة من علم ، دون اعتماد على ظن وما أشبه ، ودونما تقليد أعمى.
وأصل الفقه وأثافيه أحكاميا وعقيديا وسياسيا وعسكريا وسواها من