ذلك ، وإذا دار الأمر بين التفقه في الدين والجهاد دون إمكانية الجمع بينهما فالمتعين هو التفقه فإنه يتبني إيمان المتفقه والمجاهدين ولا عكس ، والحفاظ على فقاهة الإيمان أوجب من الحفاظ على نفوس المؤمنين ، ثم وكلّ من طائفة التفقه والجهاد ينوب عن الآخر ، فللمجاهدين من أجر المتفقهين وللمتفقهين أجر الشهداء فإن «مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء» حيث الشهادة في سبيل الله ترسمها مداد العلماء ، مدا لها إلى الشهادة وسواها من الحيويات الإيمانية.
وهل يستفاد من الآية وجوب أو جواز العمل بخبر الواحد أو الخبر الواحد ـ عن القرائن العلمية ـ اعتبارا ب «ينذروا» و (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) إذ لا مجال لرجاء الحذر إلّا بعد واجب أو راجح قبول الإنذار؟ كلّا حيث الطائفة المتفقهة سواء أكانت الباقية أو النافرة هي جماعة فيها مجالة القبول للمنذرين ، بحجة الكتاب والسنة الصالحة للتقبل ، وقد أمرنا ألّا نقف ما ليس لنا به علم ، وأن الظن لا يغني من الحق شيئا ، ولعل «لعلّ» هنا تعني ترجيين اثنين : ترجى الحذر برجاء الحجة في ذلك الإنذار الإعذار ، وترج ثان بعد واقع الحجة فيه.
فعلى المنذر أن ينذر بما يملكه من حجج الحق ، فإن حقت الحجة للمنذرين فهناك واجب الحذر عما منه ينذرون ، ومما ينذر منه المنذرون تصديق ما ليس لهم به من علم في حقل الإنذار ، كتكذيب ما لهم به علم.
ولأن التفقّه يحمل الحجة على مادة الإنذار ، فالمنذرون ـ إذا ـ
__________________
ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا ، وفيه عنه (عليه السلام) قال له رجل : جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعرف إلى أحد من إخوانه ، قال فقال : وكيف يتفقه هذا في دينه ، وعن الخصال عن الحارث الأعور قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاث بهن يكمل المسلم : التفقه في الدين والتقدير في المعيشة والصبر على النوائب ، وعنه عن موسى بن أكيل قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لا يكون الرجل فقيها حتى لا يبالي أيّ ثوبية ابتذل وبما سدّ فورة الجوع.