فلو أنهم كلهم كانوا قاصرين معذورين ، فما هو المرجع لضمير الجمع في «منهم»؟ ولا يصلح (الَّذِينَ كَذَبُوا ..) له مرجعا حيث الكاذبون الله ورسوله كلهم كافرون.
ولكن «كذبوا» مخففة دون مثقلة ليست لتنافي الإيمان ، حيث المعذّر إذا كذب في اعتذاره فقد كذب الله ورسوله إذا ف «المعذرون» تشمل الصادقين منهم والكاذبين ، والآخرون هم أعم من الكافرين وسواهم ، والكافرون منهم هم المهدّدون بعذاب أليم.
إذا ف (قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) هم بين كافرين منهم وسواهم لاشتراكهم في ذلك الكذب فإنه دركات ، كما الصدق درجات.
ذلك ، وإلى الإفصاح عن المعذورين بين المعذّرين وسواهم ، حيث أعذرهم الله :
(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ)(٩٢).
هؤلاء الأربع ليس عليهم حرج إذا قعدوا (١) وإن كان الخروج لهم أرجح لمكان (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فلا غفر إلا عن متروك واجب أو راجح ،
__________________
(١) في الدر المنثور ٣ : ٢٦٧ عن زيد بن ثابت قال : كنت أكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) براءة فكنت أكتب ما أنزل الله عليه واني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر ما ذا ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال : كيف بي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أعمى؟ فنزلت (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ ..) وفي المجمع نزلت في ابن أم مكتوم وكان ضرير البصر جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا نبي الله إني شيخ ضرير خفيف الحال نحيف الجسم وليس لي قائد فهل لي رخصة في التخلف عن الجهاد؟ فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله الآية.