(أَلَمْ يَأْتِهِمْ) وقد أتاهم بألسنة الوحي منافقين وكتابيين ، بل ومشركين وملحدين ، حيث الأنباء متناقلة متداولة بين كل الأمم مهما قلّت أو كثرت ، ومن أهم هذه الأنباء نبأ قوم نوح غرقا ، وعاد وهم قوم هود حيث أهلكوا بريح صرصر عاتية ، وثمود وهم قوم صالح حيث أخذتهم الرجفة ، وقوم إبراهيم بما فعلوا به حرقا زعمهم فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ، ثم أهلك ملكهم نمرود وسلب عنهم النعمة ، وأصحاب مدين أهلكوا بعذاب يوم الظلمة بكل مهانة وذلة ، وبصورة عامة (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) وهي المنقلبات بقراها حيث جعلت أعاليها أسافلها كقوم لوط ، فقد عم عذاب الاستئصال بمختلف صورة أمثال هؤلاء الطغاة الغاوين البغات فأصبحوا مثلا للآخرين (١).
ولأن النبأ هو خبر ذو فائدة عظيمة ، فهو هنا منقسم إلى (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) وما أتاهم من عذابات تكذيبا لهذه البينات (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) هنا وهناك (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) تكذيبا للبينات وابتلاء بالمثلات والمؤتفكات.
إنهم ظلموا انتقاصا أنفسهم النجيسة النحيسة ، حيث الانتقاص بظلمهم ليس ليرد على الله وعلى الحق ، ومهما ورد على أهل الحق في حيوية مادية ـ وليست روحية ـ فخلفيتها الأصيلة هي واردة عليهم أنفسهم ، إذ لا تذرهم ما هم أحياء في مثلث النشآت.
فمن نبأ هؤلاء الأنكاد : (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (٤٣ : ٥٦) ثم أولئك الآخرون يستمتعون غير شاعرين ، سائرين سبيل الهلكى متغافلين ، فقوم نوح يغمرهم الطوفان ويطويهم إليهم في تيار الفناء
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : في من لا يحضره الفقيه روى جويرية بن مسهر قال أقبلنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس فقال علي (عليه السلام) : أيها الناس إن هذه الأرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات ـ أو مرتين ـ وهي تتوقع الثالثة وهي إحدى المؤتفكات.