عمق الخوض وحمقه من (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فأنتم الأوغاد الأنكاد تتابعونهم في : كم خاضوا وكيف خاضوا ، المعنيين ب (كَالَّذِي خاضُوا) كما وكيفا.
والخوض في آيات الله يشمل كل حدث في الإسلام وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أحذركم أن تحدثوا حدثا في الإسلام وعلم أنه سيفعل ذلك أقوام من هذه الأمة فقال الله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ)(١).
فكما يحدث من أحكام وأعمال وسنن لا توافق الكتاب والسنة ، إنها ككل أحداث في الإسلام بإحداث ما ليس منه فيه.
ذلك فقد (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من مضى قبلكم ، ممن كان أطول منكم أعمارا ، وأعمر ديارا ، وأبعد آثارا ، أصبحت أصواتهم هامدة ، ورياحهم راكدة ، وأجسادهم بالية ، وديارهم خالية ، وآثارهم عافية ، فاستبدلوا بالقصور المشيّدة ، والنمارق الممهّدة ، الصخور والجبال المسنّدة ، والقبور اللاطئة الملحدة ، التي قد بني بالخراب فناءها ، وشيد بالتراب بناءها ، فمحلها مقترب ، وساكنها مغترب ، بين أهل محلة موحشين ، وأهل فراغ متشاغلين ، لا يستأنسون بالأوطان ، ولا يتواصلون تواصل الجيران .. وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه ، وارتهنكم ذلك المضجع ، وضمّكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور ، وبعثرت القبور ، (الخطبة ٢١٧).
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٧٠).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٥٥ ـ أخرج أبو الشيخ عن الربيع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حذركم ...