المعركة ، وكانوا أربعة آلاف وجيش الإسلام بين عشرة آلاف واثنى عشر أو ستة عشر ألفا ، ألفان منهم من الطلقاء المكيين ، فقد كانوا لأقل تقدير ثلاثة أضعاف العدو معاكسة لأصحاب بدر وهم ثلث العدو ، ولكنهم هزموا العدو في بدر وانهزموا في حنين في البداية ، لمكان الروحية العالية الغالية في بدر ، وبخلافها الإعجاب بكثرتهم والاعتماد بأنفسهم في حنين ، ولا سيما أن هذه الهزيمة العظيمة كانت بعد فتح مكة الذي هو فتح الفتوح ، حيث أخذتهم غرة الفتح وعزّته ونزوته وخطوته من ناحية ، وكثرتهم من أخرى ـ بمن معهم من طلقاء مكة ـ فتخلّوا عما تحلّوا به يوم بدر ومكة ، فانهزموا في البداية ليعلموا أنما النصر من عند الله العزيز الحكيم ، وهكذا يبتلي الله المؤمنين بكلّ من الهزيمة ، والغلبة الهزيمة العظيمة ، ولكي يحافظوا على حالة الإيمان وهالته على أية حال ، دون إعجاب وإدغال.
فهنا من انفعال الإعجاب بالكثرة ـ التي لم يكن لها مثيل طول حروب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إلى زلزلة الهزيمة العظيمة الروحية ، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض الرحبة ضاقت عليهم ، وإلى حركة الهزيمة الحسية وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب.
ذلك ، ولكي يعرفوا أن الكثرة العددية ـ بسابق فتح الفتوح قريبا ـ هي بمجردها ليست بشيء للجماعة المؤمنة ، وكما درسوا من بدر الكبرى وأحد ، إنما هي العارفة المطمئنة بالله المتجردة لله وفي سبيل الله مهما كانت قلة ، بما في الكثرة أحيانا دخلاء غير مؤمنين ، تائهين في غمارها ، غير مدركين حقيقة العقيدة التي ينساقون في تيارها ، فتتزلزل أقدامهم وترتجف في ساعة الشدة ، ف (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) وقد قامت كل ثورة صالحة عقيدية بالصفوة المختارة ، لا بالكثرة المحتارة والزبد الرغو الذي يذهب جفاء ، ولا الشيم الذي تذروه الرياح.
فالحرب السجال بهزيمة الكثرة وغلب القلة أم سواها ، هي للمؤمنين درس يوقظهم ، أن عليهم بجنب ما يعدّون من قوة جسدانية لجسد