بميزانه ، ويجمع الكل «الحق ـ و ـ القسط».
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) المؤاتية للحق والقسط (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في الآخرة كما أفلحوا في الأولى ، حيث يفلحون عقبات وعقوبات وصعوبات في الأخرى بثقل موازينهم التي هي أثقل من كل ثقل ، فلا تبقى عقبة إلّا وهم يجتازونها ، فقد ربحوا أنفسهم دون خسران.
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) وهي كل موازينه ، إذ لا موازين له حسنات (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بكل موازينها (بِما كانُوا بِآياتِنا) آفاقية وأنفسية «يظلمون» : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) (٢٣ : ١٠٣).
ولأن الخسران في التعارف المتعوّد هو النقص في أثمان المبيعات وليست منها النفوس ، فالإتيان به لها قد يعني مناسبة «الموازين» في عرصات الحساب ليكون الكلام متفقا ، وقصص الحال متطابقا ، فكأنه تعالى جعل نفوسهم لهم بمنزلة العروض المملوكة ، إذ كانوا يوصفون بأنهم يملكون نفوسهم كما يملكون أموالهم ، وقد عرضوا أنفسهم بكل نفائسهم للخسار ، وأوجبوا لها البوار وعذاب النار (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) ، فصارت في حكم العروض المتلفة ، وتجاوزوا حد الخسران في الأثمان إلى حد الخسران في الأعيان.
وبتعبير أعمق هو أليق بحق الكلام لله الملك العلام نقول : كل إنسان يملك نفسه بما ملّكه الله إياه ، وعلى ضوءه يملك ما سواها ، ثم جعل في مختبر الحياة الدنيا ومتجرها لكي يتاجر بكل ما لديه من نفس ونفيس ليحصل على ما هو أنفس من النفس والنفيس ، بثقل الموازين بعد خفتها ، ولكنه باع نفسه بالأركس الأدنى وبقي صفر اليد عن كل نفسه ونفيسه ، خفيفا عن كافة الموازين المعطاة والمكتسبة ، فقد خلق في أحسن تقويم ، وقرر له حسب مستواه أن يضيف تقويم كيانه إلى تقويم كونه ، ولكنه رد نفسه إلى أسفل سائلين (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما