بالحق ، وجاءت بسبب الحق ومصاحبة الحق وغاية الحق (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إرثا عن أهل النار حيث تركوا أمكنتهم لنا ، وارثا تركه لنا بما قدمناه من صالحات.
فهناك توارث بين أهل الجنة والنار ف «كل أهل النار يرى منزله في الجنة يقول لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم ، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول : لولا أن هدانا الله» (١).
أجل و «نودوا أن صحوا فلا تسقموا ، وأنعموا فلا تبأسوا ، وشبوا فلا تهرموا ، واخلدوا فلا تموتوا» (٢).
ذلك ، وفي رجعة أخرى إلى «من غل» نقول : إن الغل في صدور المؤمنين بعضهم على بعض ليس ليكون عداء لذوات المؤمنين ، إنما هو غل ـ فيما هو حق ـ لأعمالهم الكليلة العليلة بالنسبة لبعضهم البعض ، فحين تغل صدور لذوات الآخرين فحق أن ينزع ذلك الغل عن الصدور المغلّلة.
ثم الغل الصالح الذي يعني بغض مؤمن يستحق الغل لعمله ، ذلك لا يفيد إلا كمرتبة من مراتب النهي عن المنكر وهو ليس لينزع يوم الدنيا ، ولكنه مع سائر الغل ينزع يوم الأخرى ، تخليصا لصاحب الغل عن غلّه ، وتقليصا لمورد الغل عن ذلك الغل بعذاب أم تكفير أمّا هو؟ من نزع لسبب الغل ، ولكي يكونوا في الجنة إخوانا على سرر متقابلين.
هذا «وقالوا» هؤلاء الأكارم بعد ما دخلوا الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
__________________
(١) المصدر ٣ : ٨٥ ـ أخرج النسائي وابن أبي الدنيا وابن جرير في ذكر الموت وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : .. وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال : ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فأما الكافر فيرث المؤمن منزله في النار ، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة فذلك قوله : (أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
(٢) المصدر ٣ : ٨٥ ـ أخرج جماعة عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية قال : نودوا ...