فالعلماء هنا هم الربانيون بما استحفظوا من كتاب الله ، الذين تمتد علومهم إلى صحائف الصدور وسواها ، ومن حصائلها في ذلك المد المديد معرفة غالية عالية للممدود إليهم الذين يضحّون بأنفسهم في سبيل الله ، إذا فمداد العلماء هو حقا أفضل وأوزن من دماء الشهداء ، فأما إذا اجتمع العلم والشهادة فنور على نور ، ثم العلم غير الممدود والشهادة الخالية عن شروطها المعرفية والشرعية ، أو الجهل وعدم الشهادة ، فهي أضلاع أخرى بعد صالح العلم والشهادة ليست بذلك النمط المرموق.
ولأن (الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) «ونصنع الموازين القسط» إذا فلا وزن للباطل ، وإنما يقام الوزن للحسنات ، ثم لا وزن للسيئات فإنها خفة الميزان (١) : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ومنهم الأخسرون أعمالا : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (١٨ : ١٠٥).
ثم لكل ميزان وزن يخصه ، فميزان التوحيد هو التوحيد الحق ، وميزان الصلاة هي الصلاة الحقة ، وهكذا كل ميزان بوزنه وكل وزن
__________________
(١) في التوحيد باسناده عن أبي معمر السعداني عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث قال : وأما قوله (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) و (خَفَّتْ مَوازِينُهُ) فإنما يعني : الحسنات توزن الحسنات والسيئات ، فالحسنات ثقل الميزان والسيئات خفة الميزان.
وفي الكافي باسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين (عليهما السّلام) فيما كان يعظ به قال : ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عزّ وجلّ : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) فان قلتم أيها الناس إن الله عزّ وجلّ إنما عنى بها أهل الشرك فكيف ذلك؟ وهو يقول : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) فاعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام ـ الخبر.