بترفيعي إلى مكانة الرؤية ، أم تنزيلك إلى مكانتي في الرؤية ، وهما مستحيلان ذاتيا أو نسبيا ، ففي الرؤية البصرية يعني الترفيع التجريد الطليق عن حالة الإمكان لكي يتمكن من رؤية المطلق ، ويعني التنزيل تجريده عن التجرد حتى تتسنى الرؤية قضية المجانسة في الجسمانية والمحدودية ، وفي الرؤية المعرفية القمة أن يترفع إلى تلك القمة أو يتنزل ربنا إلى هذه المحدودية المعرفية ، فالأول مستحيل نسبيا ما دام موسى هو موسى ، والثاني مستحيل ذاتيا إذ لا يتغير ربنا سبحانه وتعالى بأي غيار وبأي معيار.
ذلك وكافة المحاولات الفلسفية أو العرفانية هي محاولات خرفانية إلّا ما أشرنا إليه على ضوء الآية وما يفسرها من آيات.
وفي حقل المعرفة القمة التي هي مرغوبة لكل عارف (لَنْ تَرانِي) هي كلمة واحدة لكافة المقربين إلّا خاتم النبيين وأول العارفين والعابدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد يروى أنه لما قال موسى (عليه السّلام): (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) كشف الحجاب وأبرز له الجبل وقال أنظر فنظر فإذا أمامه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي محرمين ملبين كلهم يقول : «أرني أرني» (٤٣) وفي الحديث «ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه» (٤٤) و «لم أعبد ربا لم أره» «لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» «.. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون» (٤٥) و «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب» (٤٦).
ذلك ، وفي نظرة أخرى إلى الآية «قال رب» لمحة لاستدعاء ما لم يصل هو إليه وليس يصله بنفسه فاستدعاه تعالى أن ينعم عليه في تلك الرؤية المعرفية بنعم.
ثم «أرني» دون متعلّق من «نفسك وما أشبه» تحاش أدبي أمام ربه سبحانه ، وكأنه يستدعيه ما يراه صالحا من درجات الرؤية غير الحاصلة له ، وكما يراه ربه.