معهم (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) وذلك سوء أدب معه أنه تعالى فقط ربه لا وربهم (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) من إجابة الدعاء خارقة للعادة كما عودتنا «لئن كشفت عنا الرجز ـ بدعاءك ـ لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل» وعدان اثنان هما العصب الحساس ضد ما تعصبوا عليه من الكفر والاستبعاد (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ) بدعاء موسى فالكاشف ـ إذا ـ هو الله دون موسى ، وتلك كانت غلطة غليظة ، (لَئِنْ كَشَفْتَ) ك «ربك» ، (كَشَفْنا ... إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) ، وهو المهلة التي بلغوها ولمّا يؤمنوا (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) ما عاهدوا ، وهذه المهلة هي بين ما أمهلهم موسى إياها أم هم أمهلوا أنفسهم فيها ، وعلى أية حال كان أجلا هم بالغوه بطبيعة الحال وقبل أن يغرقوا عن آخرهم في تقدير الله.
ذلك وقد تحتمل (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) إلى عهد إجابة الدعاء ، أصل الرسالة التي هي عهد خاص من الله ، والباء بين سببية ف «ادع» بسبب الرسالة التي هي أزلف الزلفى إلى الله ، وقسم. ف : قسما برسالتك من الله إن كنت رسولا ، كما وأن «ما» تحتمل الموصوفة إلى الموصولة ، فلقد كانوا يناقضون في أقوالهم بمختلف حالاتهم ، فتارة ينكرون رسالته وأخرى يتعلقون بها في قضاء حاجاتهم الضرورية!.
فلقد كانوا يلجئون إلى موسى ، يتطلبون بإصرار تحت ضغط البلية الفاضحة الفادحة ، يعدونه الإيمان له وأن يرسلوا معه بني إسرائيل إذا أنجاهم منها بدعائه ف (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ)!.
ذلك ، فلما انتهى أمر الابتلاء إلى ما لا منفذ فيهم بها من الذكرى فلم يبق مجال إلّا استئصالهم ، تطهيرا للأرض عن هؤلاء الأنكاد البعاد :
(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ)(١٣٦).
ذلك وليس انتقام الله منهم وممن سواهم عجزا منه وتحسرا ودفاعا عن نفسه ، إنما هو إصلاح للأرض بإزالة المفسدين الذين لا يرجى منهم أي خير إذ صدوا على أنفسهم كل منافذ النور والهدى.