فقد (كَذَّبُوا بِآياتِنا) كلها رسولية ورسالية ، آفاقية وأنفسية «و» الحال أنهم (كانُوا عَنْها غافِلِينَ) عن عمد وتقصير ، فالغفلة العامدة العاندة ليست بالتي يعفى عنها في شرعة العدل والحكمة ، إنما هي الغفلة القاصرة على قدر القصور فيها ، فهذه هي ضفة الكفر والنكران ، فإلى ضفة الشكر والإيمان :
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(١٣٧).
إن (كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) شملت بني إسرائيل لإيمانهم وأنهم (الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) ثم (تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) فمثلث الإيمان المستضعف الصابر هي هندسة تمام كلمة ربك الحسنى ، فلذلك أورثناهم مشارق الأرض المقدسة ومغاربها التي باركنا فيها ، وفي الطرف المقابل اللّاإيمان الاستكبار وعدم الاصطبار (دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من صناعات (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) من بنايات وجنات معروشات.
ذلك وبركات الأرض التي باركنا ـ وهي مصر القدس الكبير ، وهو فلسطين الكبير بما فيه سوريا والأردن ولبنان ـ هي من ناحيتي القدسية الروحية والمادية ، فقد بعث أكثر المرسلين منها ودفنوا فيها ، ثم البركات المادية هواء وماء وكلاء وسائر الإخصاب نجدها فيها أكثر من غيرها.
صحيح أن الأرض المباركة والمقدسة هنا في القرآن هي فلسطين الكبير ، ولكن «أورثنا» هنا تشمل مصر حيث كان فيها فرعون وقومه ، فقد سيطرهم الله على مصر وما والاها وفلسطين وما والاها ولا سيما في زمن داود وسليمان.
وقد نحتمل قويا أن يعنى من (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) إلى محال وراثتهم محال استضعافهم.
إذا ف (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) في مشارق الأرض