حلقوا ذلك النكران على كل آية دونما استثناء (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) إعلانا جاهرا بكفر طليق على أية حال ، إذا فهنا استحقاق عذاب الاستئصال دون إبقاء لأي مجال ، ولكن الله يمهلهم ـ مع الوصف ـ حتى حين :
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ)(١٣٣).
ففي خضمّ خماسية هذه الآيات المفصلات خماصيتهم استئصالا لعلوائهم أمامها حتى تطلّبوا إلى موسى أن يكشف عنهم الرجز فيؤمنوا ولكنهم ناكثون!.
و «الطوفان» من الطوف ، ففعلانه طوف بالغ لا مرد عنه ، وهو يشمل طوفان الماء كما كان لقوم نوح ، وطوفان الريح الشديدة الحاملة لما تحمل من غبارات وقذارات ، فقد طاف بهم الطوفان فاستأصل كل رياحة عن حياتهم ، وهكذا سائر الخمسة من الرجز.
و (آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) قد تعني إلى فصل بعضها عن بعض دون وصل ، تفصيل كون كل واحدة منها آية مستقلة دون أن تكون لزاما من خلفية الأخرى ، كما ولا صلة بين هذه الخمس في مظاهر عللها الطبيعية ، ومفصلات مبينات في الدلالة على كونها آيات الله.
ومن كونها مفصلات أن كلّا كانت تأتي بفصل خاص خطوة خطوة ، من دان إلى عال إلى أعلى ، فقد كان «الدم» أعلاها عذابا و «الطوفان» أدناها ، وبينهما متوسطات ، كما هي طبيعة الحال في البلوى ليذكروا بها.
وما أنسبها خماسية العذابات هذه ، خماسية اللعنات في هؤلاء الأنكاد ، فالطوفان المدمر لأنهم كانوا طوفانا يدمّر الحق وأهله ، والجراد حيث يجرد الثمر ، إذ كانوا يجردون الحياة الإنسانية عن ثمرتها السامية ، والقمل حيث تمتص الدم وتؤذي صاحبه وهي تسكن مساكن القذارات ، وهم يمتصون دماء الحياة ويؤذون ذوي الحياة ، والضفادع إذ ضفدعوا : متقبضين منكمشين أمام الحق ، والدم إذ كانوا دماء يسيلونها في سبيل الباطل : (آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) عن السحر ، مبيّنات لإحقاق الحق