ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (٣٦ : ١٩).
فالقرآن يبين كلمة واحدة أن طائر كل معه وعند الله ، معه بما عمل ويستحقه ، وعند الله بما يحققه علما وجزاء وفاقا هنا وفي الأخرى (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)(١٧ : ١٤): (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) وأقلهم يعلمون ولكنهم على علمهم يجحدون ، و «لا يعلمون» هنا جهالة عن تقصير يندد بها كما يندد بالعالمين.
فالطائر هو العمل اعتبارا بطيرانه إلى الغير أم إلى الفناء كما يخيّل إلى المجاهيل ، واعتبارا بطيرانه إلى نتائجه هنا وفي الأخرى لأنه لا يفنى ولا يطير إلى غير عامله ، كما يقول الله (١).
فالتطير بالغير هو تخيل أن شؤم الغير بعمله يطير إلى غير عامله ، فلما كانوا يتشأمون بدعاة الحق ، كانوا يحسبون كل سيئة تصلهم أنها من جرّاء شؤم هؤلاء الأكارم ، وكل حسنة هي مستحقة لهم أنفسهم وهكذا (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ).
ذلك ، ولم يكتفوا في هذه الخطوة الثانية الخاطئة ـ بعد رمي موسى بالسحر ـ إلّا أن غالوا في عتوهم :
(وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)(١٣٢).
وهنا يسمون ما يأتي به موسى «آية» هزء ومهانة بها حيث تعقبها (لِتَسْحَرَنا بِها) أم وإيقانا بها حيث (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٢٧ : ١٤) فقد صدوا على أنفسهم كل منافذ النور والإيمان حيث
__________________
(١) واصل التطير ما كان الجاهليون في وثنيتهم يزاولونه فقد كان منهم من إذا أراد أمرا جاء إلى عش طائر فهيجه عنه فإذا طار عن يمينه ـ وهو السانح ـ استبشر بذلك ومضى في الأمر الذي يريده وإذا طار الطائر عن شماله ـ وهو البارح ـ تشاءم به ورجع عما عزم عليه فأبطل الإسلام هذا التفكير الخرافي واصل محله التفكير العلمي الصحيح والعمل ، وقد شرحنا حول الطائر على ضوء آية الأسرى فراجع.