ذلك من مشارف إهلاكهم كما وعد الله (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) و «السنين» جمع السنة ولكنها هنا سنة الجدب فإنها هي من أخذة العذاب ، دون أصل السنة الشامل لكل الكائنات ، ثم وهي الجدب المتراوح سنة دون سنة كسنين يوسف ، وكما يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف».
وسني الجدب والقحط في أرض مخصبة معطاء كمصر تبدو ظاهرة قاهرة تلفت الإنظار ، أنها الإنذار الداعي لليقظة بعد النومة والنبهة بعد الغفلة ، فلو أن فرعون هو الرب الأعلى فكيف عجز عن استمرارية الجدب الذي هو قضية طبيعة الأرض المصرية؟.
ثم (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) وعلّها تجمع إلى ثمرات الزروع والأشجار وسائر الثمار التجارية والصناعية ، ثمرات الأولاد ، عكسية ماثلة بين أيديهم بما قتلوا أبناء بني إسرائيل واستحيوا نساءهم جزاء وفاقا ، فأين إذا (مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) (٤٣ : ٥١) وقد كان يعرضها بمعرض الناس دليلا على رجاحته على موسى (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ. وَلا يَكادُ يُبِينُ) (٤٣ : ٥٢).
هنا عجالة يأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات دون أن يستأصلهم بأسرهم ، إجالة للنظر في سنن الله بوعده ووعيده ، ولكنهم لغلظ حسهم وانقلاب فطرتهم وعقليتهم لم يكونوا لينتبهوا إلى العلاقة الوطيدة بين كفرهم وطغيانهم وبين أخذهم بالسنين ونقص من الثمرات في مصر التي كانت ولا تزال تفيض بالخصب والعطاء ، إلّا ما كان زمن يوسف تذكيرا للسلطة الجبارة ، وفسحا لمجال الدعوة الربانية ليوسف.
ذلك ، بل هم زادوا غباوة وطغيانا على ضوء السنين ونقص من الثمرات :
(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(١٣١).
فمن «الحسنة» سنة الإخصاب وتمام الثمرة ، كما من «السيئة»