معهم فهو متعلم منهم لأكثر تقدير!.
ولأنه لمس منهم أنهم ليسوا ليغيروا مواقفهم بذلك التنديد أخذ في شديد التهديد : «لأقطعن ..» وهو عقوبة كانت تجري بأعصى العصاة البغاة ، ولو كان إيمانهم مكرا لكانوا يتركون موسى إلى فرعون تائبين ، إذ لم تكن لموسى سلطة زمنية إلّا هذه الآية ، فلو كانت سحرا لما كانوا يظلّون معه فيذلون!.
فذلك الصمود رغم ذلك التهديد ـ وهم مهرة الفن ـ دليل قاطع لا مردّ له أنهم أثبتوا دون ريبة أن الحق مع موسى الرسول ، فلا مرد لإيمانه به وله ولا تحويل ، ولكن الطاغية ليس ليدرك كيف يتسرب النور إلى القلب فيقلبه من علواء السوداء إلى علياءه البيضاء ، وهو يحسب القلب قالبا يتقلب بتقليبه ويتألب بتأليه ، وهو بين أصبعي الرحمن يقلبه كيف يشاء.
فيا ويلاه لفرعون صاحب العرش الروحي! والزمني ، أن ينفلت من سلطة الكهنة السحرة الذين هم سناد الناس في التسليم لفرعنته ، فما ذا يصنع إذا بالناس ولا حراس هنا بعد عليهم لصالحه ولا اكتراس لأساس.
ذلك ومن دأب الفراعنة الدائب أنهم يواجهون أندادهم بالتنكيل والتعذيب بعد ما كلّ دليلهم وعلّ كليلهم فهم مفضوحون ، وهنا اليد السماوية تكسر اليد الأرضية حيث تنتصر في المسرح المصرع العقيدة الصالحة على كل زخرفات الحياة ، احتقارا للفناء الزائل البواء إلى جوار الخلود المقيم البقاء.
(قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ)(١٢٥).
«منقلبون» انقلابا محتوما مختوما عن أي انغلاب ، لا يقلّبنا عن ذلك الإيمان أي عامل قاس بأي مراس واكتراس ، حيث إن صاحب الإيمان السليم لا يفزع ولا يتزعزع أو يخضع ويخنع.
(وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ)(١٢٦).