الْعالَمِينَ). وإنها صولة الحق الباهر في أعماق الضمائر والمشاعر ، فالسحرة المهرة هم أعلم الناس بواقع فنّهم غير الواقع ومدى ما بالإمكان أن يبلغه من مبلغه ، وهم ـ أيضا ـ أعرف الناس بالحق الذي جاء به موسى ، والعالم في فنه هو أكثر الناس استعداد لتقبل الحق ، وكما نرى السحرة منقلبين من التحدي السافر الطليق إلى التسليم الظاهر الطليق الحليق ، ما لا يزعزعه أي تهديد بليغ حميق.
ولكي لا يخيل إلى الطاغية أنهم يعنونه بما قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) واصفوه ب (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) وهنا ينبري فرعون الطاغية بتهديد شديد على السحرة الساجدين :
(قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٢٤).
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (٢٦ : ٥٩).
ويكأن الإيمان أيضا كسائر الأمور بحاجة إلى إذن؟ وهو أمر قلبي! فلأن ذلك البليد الطاغي هو الرب الأعلى بزعمه فلتكن أزمة القلوب طرا بيده كما بيده سائر الأزمة.
هنا «ءامنتم به» تنديدا بنفس الإيمان ، وفي الشعراء «آمنتم له» تنديدا بشاكلة الإيمان ، أنه ليس إلّا له ولصالحه ، حسب المدبّر المقرر بينكم من مكر مكرتموه في المدينة.
وهنا يهرف بما يخرف أن ثعبان العصا (لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) تسمية للآية البينة الربانية سحرا لهدف قلب نظام الحكم ، ولا يمكرون هكذا إلّا إذا كان موسى معلمهم في السحر ، ومتى كان معهم حتى يعلمهم السحر وهم كانوا سحرة قبل ولاده؟ وحتى لو كان