فنغمة النقمة ليست لمكر مكرناه ، إنما هي (أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا) فلا إيمان إلّا به ، ولا ملجأ إلّا إليه (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) يشملنا ويغطّي علينا (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) صلبا أم سواه.
وهنا يقف الطغيان حائرا ذعرا أمام صامد الإيمان ، أمام كامل الوعي والثقة والاطمئنان ، أمام القلوب التي خيّل إلى الطاغية أنه يملكها كما يملك الأبدان ، وأنه موقف حاسم جاسم في تاريخ الإنسان يكرره القرآن بمختلف المجالات المؤاتية ، فإنه يكرس انتصار الإنسان على الشيطان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟.
فلقد أفلست المادية العمياء البكماء الصماء أمام الإيمان الصامد من هؤلاء السحرة المهرة الذين كانوا يسألون فرعون أجرا على عمالتهم ، حيث انقلبوا إلى مؤمنين مستعلين على الطاغية بكل جرأة واصطبار ، مستهينين بكل تهديد ووعيد ، صابرين على كل ألوان التنديد والتبديد!.
وهنا يذهب التهديد هباء ، ويتلاشى الوعيد سدى ، ويمضي الإيمان الوضاء في طريقه الوضيء دون تفلّت ولا تلفّت حيث لا يحيد والله من وراءهم رقيب عتيد (١).
وذلك درس لنا صائب أن ليس الكفر الحاضر دليلا على سوء العاقبة كما الإيمان الحاضر لا يدل على حسن العاقبة ، فقد عاش سحرة فرعون كفرا «فرجعوا مؤمنين» (٢).
__________________
(١) راجع تفاصيل أكثر حول قصة موسى وفرعون إلى سورتي طه والشعراء.
(٢) نور الثقلين ٢ : ٥٦ في الكافي عن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السّلام) عن أبيه عن جده (عليهما السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ـ إلى أن قال ـ : «وخرجت سحرة فرعون يطلبون العزة بفرعون فرجعوا مؤمنين» وفيه عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : ومن ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين ، فقلت له : إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي ، فقال : هيهات هيهات فلعله أن يكون غفر ما أتى وأنت موقوف تحاسب أما تلوت قصة سحرة موسى صلوات الله عليه ...