أين إلى أين ، ولذلك يتكلم ملأه تثبيتا له وتشجيعا إياه وكما تفعله الهوامش الملكية بالملوك :
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ) (١١٠).
هنا العصب الحساس يبرز بكل كيد وميد مضلّلا من مضلّلي الملإ ، يخاطبون أنفسهم وآخرين ، بمن يرأسهم وهو فرعون ، ابتداء بتزييف موقف موسى من آيته الكبرى : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ثم وما عليه في سحره إذا كان في خدمة فرعون ، ولكنه (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) إخراجا من السلطة الفرعونية ملكا وملكا فيجعلكم لا شيء بعد أن كنتم كل شيء.
فلو كان ما جاء به آية ربانية صادقة ما كان خطرا ذلك الخطر ، أم لو كان يريد أن يخرجكم من أرضكم دون آية ولا سحر فكذلك الأمر ، ولكنه جامع بين الأمرين الأمرّين ، فإنه بسحره يريد قلب النظام وهذا ما لا يقبله أي مواطن فضلا عن الملك وأصحاب السمو الملكي ، (فَما ذا تَأْمُرُونَ) نا ، نحن الذين نعرف صالح أمر الحكم من طالحه.
هنا ـ بعد ما حصل فرعون على هذا الرأي ـ (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى. فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) (٢٠ : ٥٨) فقد تشاوروا أولا : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (٢٠ : ٦٣) ثم عرضوا عليه حصالة هذا الرأي ثم (قالَ أَجِئْتَنا ..).
وهكذا أدرك فرعون وملأه خطوة هذه الدعوة التوحيدية وكما يدركها كافة الطواغيت المحادّين المشاقين الله ، وكما قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أخذ يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله : «هذا أمر تكرهه الملوك»! و «إذن تحاربك العرب والعجم» حيث القائل عرف معنى لغة التوحيد أنها ثورة على الحاكمين بغير شرعة الله ، الطاغين على عباد الله ، فإن لتلك الشهادة الحقة جدّيتها وفاعليتها ، وطبيعة الحال قاضية