(فَأَلْقى عَصاهُ) عجالة دون إجالة ، عساه يهتدي بإجالة النظر في هذه الآية (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) كونه ثعبانا حقيقيا دون أن يسحر أعين الناس فيروا العصا ثعبانا ، ومن كونه مبينا أنه هدّد فرعون بصرحه لحد لمس العذاب حينه ففلّ منه خائفا ذعرا (١).
ولا تعارض بين قلب العصا هنا ثعبانا مبينا ، وقلبها (حَيَّةٌ تَسْعى) (٢٠ : ٢٠) حيث (رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) (٣٨ : ٣١) لاختلاف الموقفين ، فالحالة الثانية هي ليلة الطور لما رأى من جانب الطور نارا ، والأولى هي عند فرعون.
ثم والطنطنة الغوغاء في قولة استحالة المعجزات يحلّها تقدّم العلم أن العناصر متشابهة في الجزئيات والذرات ، وإنما الاختلاف في فواصل وعديد الذرات ، فلخالق الذرات أن يبدل فواصلها وعديدها قفزة طرفة عين ، وذلك سر الإعجاز أن ذلك التفاعل الذي يحتاج في تبدل عنصر إلى آخر إلى آلافات من السنين ، يحصل بالقدرة غير المحدودة الربانية في طرفة عين.
ثم زود آيته تلك بأخرى ، متصلة به بعد الأولى المنفصلة عنه ، إتماما للحجة وإنارة للمحجة ، كيلا يقال إن ثعبان العصى ليس من إلقاءه ، بل هو صدفة عمياء ، وأما يده فلا يظل عليها من ظلال ذلك الضلال : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى) (٢٠ : ٢٢) ـ (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (٢٨ : ٣٢).
وهنا في ظلال هاتين الآيتين خرس فرعون متخوفا ذاعرا ما يدري من
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٥٤ في تفسير العياشي عن عاصم بن المصري رفعه ـ وذكر قصة مواجهة موسى فرعون إلى أن قال : ـ فألقى عصاه وكان له شفتان فإذا هي حية وقد وقع إحدى الشفتين في الأرض والشفة الأخرى في أعلى القبة ، قال فنظر فرعون في جوفها وهي تلتهب نيرانا قال : وأهوت إليه فأحدث وصاح : يا موسى خذها.