ولماذا هنا (أَقُولَ عَلَى اللهِ) دون «أقول عن الله»؟ «على» هنا تعني العهدة ، وقول الرسول رسالة دون أصالة ليس إلّا على عهدة الله وبعهد الله ، كما و «على» في (حَقِيقٌ عَلى) هي للحيطة والتحليق ف «على» هو الحقيق دون «عن» حسب متواتر النص على مدار الزمن القرآني السامي.
و «حقيق» هنا حق ثابت لا حول عنه إذ لا يحق لرسول أن يقول على الله إلّا الحق (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٦٩ : ٤٧). ذلك وكما في الأصل العبراني من التوراة.
ذلك ، والرسالة الربانية إلى أمثال فرعون وملإه تعني ـ أول ما تعني ـ إبطال كل شرعة مدّعاة لكل طاغوت يحكم محادّا لشرعة الله ، تبعيدا لهم عن تعبيد الناس إلى عبودية الله.
وإعلان الربوبية الوحيدة غير الوهيدة لله وحده ، إنه إعلان تحرير الإنسان عن عبودية أمثاله وكل معبود من دون الله.
ولأن هذه الدعوة تحمل قلب نظام الحكم الفرعوني ، لذلك يطالب موسى بكل مهانة وإهانة وإحالة أن يأتي بآية إن جاء بها ، زاعما أنه كاذب حيث أخذته العزة بالإثم ، فلا يستقبل أي دعوى تناحر فرعنته وطغيانه ، إلّا بكل فرعنة ورعونة :
(قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(١٠٦).
«قال» فرعون : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) في رسالتك المدّعاة المدعاة «فأت بها» أمامنا (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وهنا «كنت» قبل «جئت» تعني إحالة هذه الكينونة بعمقها ، ثم (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) تهديد عتيد إن لم يأت بها فهو ـ إذا ـ من الكاذبين.
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ)(١٠٨).