الجنة لأنهم الأقربون مرجعا ، والرجوع إلى أصحاب الأعراف لأنهم الأقربون موقعا ، فإنهم محور الكلام هنا ـ يلمح بعناية أصحاب الجنة مع أصحاب النار ، فلئن كان القصد إلى خصوص أصحاب الأعراف لذكروا كما يذكرون في التالي : ونادى أصحاب الأعراف ، وذلك في تفسير الظاهر ، ثم في التأويل يعنى معهم الأدنون في الأعراف ، فهذا الدعاء هو طبيعة الحال في الفرق الثلاث ، مهما كان للآخرين رجاء باحتمال النجاة ، وللأوسطين أرجى ، ولأصحاب الأعراف فوق الرجاء ، ولكلّ في هذا الدعاء موقع يناسبه ، في نفسه وباختلاف دركات المعيات المعنية من (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ألا تجعلنا معهم ، سواء فيما يجوز عدلا أما لا يجوز.
فجعلهم كلهم مع القوم الظالمين في عذاب النار أم في مقامات الجنة بعد ما ذاقوا عذاب النار فاستحقوا دخول الجنة كبعضهم ، ذلك خلاف العدل ، فالدعاء بالنسبة لمعيتهم يصبح ك (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) فانه صرف الالتجاء في الدعاء ، وكما يلحّق هنا (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (٢١ : ١١٢).
وأما جعلهم معهم في المحشر أكثر من تكملة الحساب والحوار ، أم بقاء الترائي بعد الدخول في الجنة والنار ، أم دخولهم مع أصحاب النار في النار دون أن يشاركوهم في عذابهم ، أم دخول هؤلاء معهم في الجنة دون أن يشاركوهم في ثوابهم أماذا من خلاف الفضل ، فليس من خلاف العدل.
والدعاء على أية حال لا يعني جواز عدم تحقق المدعو به لولا الدعاء كالحق في (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) بل هو تعلق بالله وتذلل أمام الله ، وان حكمه حق على أية حال وإن كان في ظاهر الأمر غير حق حيث لا يلائمنا.
وذلك أدب الدعاء في كافة الأحوال ، وحتى إذا كان الداعي في حال وقوع المدعو به فضلا عما قبله.
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى