(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) «مشهد مفزع مرعب حيث غمرات الموت تغمرهم ، وكما كانوا في غمرات الضلالات جزاء وفاقا ونكالا حسابا.
وهنا استعارة لطيفة بارعة حيث شبه الظالمون الذين يعتورهم كرب الموت وغصصه بالذين تتقاذفهم غمرات الماء ولججه ، وقد سميت الكربة غمرة لأنها تغمر قلب الإنسان آخذة بكظمه وخاتمة على متنفسه ، والأصل في ذلك كله غمرة الماء.
(وَلَوْ تَرى ... وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) لتوفّيهم وهم ماسكون أرواحهم في زعمهم فيقولون لهم : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) عن الحياة الدنيا وعن أبدانكم ، أمرا قاطعا لا مرد عنه ، فهم الباسطون أيديهم يتوفونهم رغم أنوفهم قائلين : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) كما أهنتم الحق (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).
ذلك ، وإن نفس المؤمن تنشط للخروج للقاء ربه ، ونفس الكافر تكره الخروج بما قدمت يداه على حد قول الرسول (ص): «من أراد لقاء الله أراد الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (١).
ول (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) إخراجات ، منها (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) من غامرات العذاب إن كنتم فاعلين ، هزء بهم كما هزءوا بآيات ربهم ، أو (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) المخلدة إلى هذه الحياة الشرسة المحرجة لعباد الله ، فاعلين بهم فعلة الغريم الملازم الملحّ ، باسطا يديه إلى من عليه الحق.
وعلى أية حال فالأمر هنا بين تعجيز هازئ وبين تكليف واقع لا يستطيعون أن يتخلفوا عن أمره على إمره.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٣ : ٨٥.