ومما تدل عليه (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) دون «أخرجوا» أن الأنفس هي غير الأبدان مهما كانت وليدة منها وكما قال الله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) فالروح ـ إذا ـ خلق آخر أنشئ من البدن بعد اكتماله جنينا.
كما تدل (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) على الحياة البرزخية ابتداء بالموت حيث اليوم هو يوم خروج الأنفس.
و«الظالمون» هنا هم رؤوس الظلم ومنهم المختلقون هذه الأحاديث الزور تشويشا على وحي القرآن ، ثم الناقلون لها دونما رد عليها تلقيا بالقبول! مهما كان الأصل هم المشركون ، فان واجهة الخطاب من قبل هم المشركون ومن بعدهم أنفسهم : (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ ...) (٩٤) ولكن أشباههم يصطلون بصلاءهم في الجحيم.
فكما «الظالمون» شرعة الوحي أدخلوا السذج العوام في غمرات الارتياب ، كذلك اليوم يجزون عذاب الهون بما كانوا يقولون على الله غير الحق ..
هنا (عَذابَ الْهُونِ) عذاب مع الهوان قضية الافتراء على الله كذبا ، وتكذيب لآيات الله إهانة بها ومهانة واستكبارا ، فعذاب الهون جزاء وفاق للافتراء الهون والاستكبار فيخلد فيه مهانا.
وهكذا يتوفى الذين كفروا بكلّ إيعاد وهوان : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ. ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٨ : ٥١) يضربون وجوههم لمواجهة العذاب ، وأدبارهم حين لا يحنّون لخروج أنفسهم ، وهذه أولى حرقة لعذاب الهون : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ