للشّريرين ، وذلك بعد الحجج البالغة في هدى النجدين لكلّ الإدراكات الصالحة ، فحين يبطل الإدراك الصالح بما عطّلوه عن صالح الإدراك فهنا يأتي دور إبطاله من الله ختما على القلوب والسمع والأبصار.
ذلك (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، إنباء معمقا مكرورا يستفاد من «ينبئهم» لمكان التفعيل ، أن تظهر لهم أعمالهم بمظاهرها المزينة وبحقائقها القبيحة ، ثم تمثلا لها بالعذاب.
وهنا (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) إشعار آخر أنهم كانوا مخيّرين فيما عملوا لا مسيّرين ، وأن التزيين كان من خلفيات أعمالهم القبيحة وهم كانوا يعلمون قبحها.
فليس تزيين الله لأعمال قباح أمرا بدائيا ، إنما هو جزاء وفاق على الذين يعملون السيآت وهم يعلمون ، ثم إذا أصروا فيها مكبين عليها (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) كأنها حسنة بما ختمنا على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ، فأولئك هم من «الأخسرين (أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠) وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا