(إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤٦ : ٣٦).
ذلك ، ومن ثم قد توحي (وَإِذْ أَوْحَيْتُ .. إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ ..) ـ حيث كان ذلك الإيحاء بعد اقتراحهم آية المائدة ـ أنهم كان عليهم ذلك الإيمان بما رأوا من آيات الله البينات ، فلما تطلبوا مائدة من السماء أوحى إليهم (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) بما أريتكم تلكم الآيات.
وأما هذه المائدة السماوية كيف كانت وكم؟ فلنسكت عما سكت الله عنه مهما ورد في الآثار لكمها وكيفها مختلف الأخبار.
وهنا بعد صراح الوعد بإنزال المائدة تهديد شديد بمن يكفر بعده (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) وذلك الوعيد هو قضية صارم الحجة لصارح المحجة ، فكلما ازدادت الحجة عدّة وعدّة إزداد عذاب المتخلفين عدّة وعدّة ، وكما نرى بمدار الزمن الرسالي عذابات الاستئصال وسواها على قدر النكرانات لآيات الرسالات بقدر الحجج البالغة ف (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) وعلى قدره حيث (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
ثم (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) مستقبلا قد يعني تفوّق عذابهم على مستقبل العذابات دون ماضيها ، فما ورد من جعل الكافرين منهم قردة وخنازير ، تسوية بينهم وبين قردة من اليهود لا يطارد (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) ثم والخنازير أنحس من القردة وقد لا يسبق سابق تحوّل الإنسان خنزيرا في أمة من الأمم ولا يلحقه لاحق ، وفي الأثر عن الرسول الأطهر (ص) «فمسخوا قردة وخنازير» (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٤٨ ـ اخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله (ص) : ـ