و (تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) محاولة الإبراء وتحققه كلاهما «بإذني» (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى) محاولة وتحققا كلاهما «بإذني».
فكما لم يكن واقع هذه الخوارق إلّا بإذن تكويني من الله ، كذلك لم تكن المحاولات المناسبة لها إلّا بإذن تكليفي من الله ، فليس الله ليأذن في حقل الآيات تحقيقا إلّا بعد ما يأذن لمحاولة الرسل كما يحق.
فلو صنع المسيح ألف صنعة ، أم نفخ ألف نفخة في آلافات من السنين ، لم يكن الله ليأذن في تحقق هذه المحاولات ما لم يأذن بها من ذي قبل ف (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) و (أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) فالقدرة والعلم الناتجة عنها الآيات يختصان بالله دون سواه.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ)(١١١) :
الحواريون هم المؤمنون الأولون بالسيد المسيح (ع) وترى «أوحيت» تعني وحي الرسالة؟ ولا يساعده (أَنْ آمِنُوا بِي) حيث الإيمان بالله يسبق وحي الرسالة بأشدّه وأشدّه ، لأن الرسل مصطفون بين الأصفياء! بل ويضاده (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) وما أشبه في الآية التالية حيث تدل على بسيط الإيمان لأضعفه دون وسيطه فضلا عن أشدّه بأشدّه.
إذا فقد «ألهموا» (١) دون رسالة مهما كانت جزئية هامشية ، وذلك هو الإيمان الأوّل ، ومن ثم الأخير ، وهو بطبيعة الحال أكمل وأفضل : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٣ : ٥٣).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٨٠ في تفسير العياشي عن محمد بن يوسف الصنعاني عن أبيه قال سألت أبا جعفر عليهما السلام : (إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ)؟ قال : ألهموا.