إذا فلم تكن الإجابة بدعائهم المسيح أن يدعوا الله ، فإنما هي بدعاء المسيح (ع) حيث خلص دعاءه عما تقولوا وأخلص في دعاءه مستندا إلى تلكم الثلاث التي هي كلها مرضية عند الله.
هنا (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) برهان لا مرد له أنه أنزلها عليهم فإن الله لا يخلف الميعاد مهما كان الموعودون غير صالحين ، وفيهم مثل السيد المسيح (ع) وهو من أصلح الصالحين حيث دعى ما دعى فأجيب هكذا فيما دعى ، فالحوار حول : هل إن الله أنزل المائدة أم لم ينزلها؟ إنّه بوار من حوار.
وليست قصة استعفائهم المروية بالتي تنقض ما وعده الله مسيحه (ع) فلو أنه تعالى كان قابلا لاستعفائهم لما كان واعدا إنجاز طلبتهم ، ولو أن استعفاءهم يعقب العفو ، لما كان ـ إذا ـ إعفاء عما طلبه المسيح (ع) فأين دعاءه من دعاءهم!.
وهنا التهديد الحديد بعد نزول آية المائدة ب (أُعَذِّبُهُ عَذاباً ..) دليل باهر أنها ما كانت الآية الأولى النازلة لاثبات رسالته ، بل هي آية مقترحة بعد آيات كافية ، وهكذا يكون دور الآيات المقترحة أن يشمل المكذب بها عذاب الاستئصال ، فكما ان تطلّب آية المائدة بعد سائر الآيات الفضلى كان من حصائل عدم الايمان فاستحقوا التنديد الشديد (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) كذلك هم يستحقون نكال العذاب إن كفروا بهذه الآية المقترحة.
وهكذا تصرح آيات عدة أن وعيد العذاب يختص بمقترحات الآيات إذا لم يؤمنوا بها ، وبعد إذ أتتهم آيات بينات ، ولو أن الحواريين لم يروا ـ قبل اقتراحهم آية المائدة ـ آيات المسيح (ع) لم يكن في اقتراحهم هذا كيفما كان تأنيب وقد انبوا ب (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ولا وعد التعذيب بعد وقد أوعدوا : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) وكما عذب من كفر منهم ان جعلهم خنازير ، ومن سواهم