أصحابها هدى على هدى ، إذا فالنور هي المشرفة على الهدى المشرّفة صاحبها إليها.
ومنها «نور» العقل الناضج على ضوء الوحي ، ومن غريب الوفق العددي ذكرا في الذكر الحكيم توافق النور والعقل ، فإن كلا يأتي (٤٩) مرة ، مما يبرهن أنهما صنوان اثنان وفرقدان لا يتفارقان.
ثم و (يَحْكُمُ .. لِلَّذِينَ هادُوا) كرأس الزاوية في الشرعة التوراتية سواء الذين هادوا رجوعا إلى الله أم رجوعا عن الله ، ثم سائر المكلفين من القبيلين كما و «يحكم بها» الربانيون والأحبار ، وهم علماء التوراة حيث يحكمون (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) دون المحرف فيه.
«يحكم ..» ويحكمون «و» الحال أنهم (كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) شهادة على المستحفظ لهم من كتاب الله ، حيث يميزون بين أصيله ودخليه فالنبيون يشهدون بالوحي ، وغيرهم بوحيه بما أنسوا من وحي الكتاب ، حيث يعرفونه ، أو المشكوك منه حيث لا يشهدونه ، فإن أصيل الوحي نور تنير الدرب على معرفة دخيله.
إذا فالتوراة في مثنى الحكم بها من النبيين ـ والأحبار والربانيين ، ليست إلّا ما أنزله الله ، ومهما كانت العصمة الرسالية في أنبياء التوراة هي المستحفظة لهم عن خليطها ، كذلك سائر الاستحفاظ لمتحري الحق ، المؤيّد من عند الله ، العارف بوحي الله ، المستأنس بكلام الله ، ذلك الاستحفاظ هو الذي يصون أهليه عن أي اهتزاز وجاه التوراة المحرفة.
ذلك ، وللاستحفاظ هنا أبعاد ثلاثة كلها معنية ب (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) ١ حفظا علميا فلا ينسونه ، ٢ وعقيديا فلا ينكرونه ، ٣ وعمليا فلا يتناسونه ، وذلك المثلث من الاستحفاظ هو المبرّر الفارض ل «يحكم بها».
فالحاكم بكتاب الله من غير المعصومين يعصم عن الأخطاء القاصرة