وجوههم عن النظر إلى كتبهم المصدقة للقرآن ونبيه ، وإلى القرآن نفسه ، فإنه بينة مستقلة لصدق وحيه ، فالوجوه المطموسة المردودة على أدبارها هنا نفسيا تطمس بعد الموت وترد على ادبارها هناك واقعيا جزاء وفاقا.
(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٧ : ١٦٦) (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) في الأولى والأخرى حيث الجزاء الوفاق هو العدل الحاسم القاصم.
ويلاهم كيف لا يؤمنون وهم أهل الكتاب ، ليست غريبا عنهم هذه الهدى الأخيرة المصدقة لما معهم ، فهم أقرب إلى الشرعة الكتابية من الأميين المشركين وقد آمن منهم كثير! ، فلا يصدهم أولاء عن إيمانهم وهو بأيمانهم إلا أحقاد طائفية وتصلّبات عنصرية أمّاهيه ، فلأنهم انطمست وجوههم عن الفطرة والعقلية الإنسانية والإيمانية بذات أيديهم ماشين على أدبارهم القهقري ، فقد (نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ ..) (١) : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٦ : ١١٠) وقلب وجوه الفطر والعقول والأفئدة والأبصار هو من خلفيات التقلبات المتخلفة عن الهدى ، المتردية الى الردى ، جزاء وفاقا في الدنيا وفي الآخرة عذاب عظيم.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٣٨٧ عن المجمع نطمسها عن الهدى فنردها على ادبارها في ضلالتها دما لها بأنها لا تفلح ابدا ، رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليهما السلام) ، وعن جابر الجعفي عنه (عليه السّلام) في حديث طويل حول قيام القائم بحوادثه ـ إلى أن قال ـ : وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء أبيدي بالقوم فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب وفيهم نزلت هذه الاية (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً ..).