الرسول إلا حامل الخير برسالته الربانية ، وليس مكوّنا لخير أو شر كما ليس مشرّعا ، فإنما هو بشر يوحى إليه بكل خير.
وهكذا كانوا يهدفون بقيلاتهم العليلات كهذه ، التطير بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ظنا أنه ـ وعوذا بالله ـ شؤم عليهم ، يأتيهم السوء من قبله ، فإن أجدبت السنة ، ولم تنسل الماشية أم قل نسلها ، أو إذا أصيبوا في حرب ، تطيروا به ، وحين يصيبهم خير نسبوه الى الله ، تفريقا بين الله ورسوله ، وتجريحا للقيادة الرسالية تخلصا من عبء التكاليف التي أرسل بها ومنها تكليف القتال ، وأمثال ذلك من سوء التصور الجاهل القاحل بساحة الربوبية والرسالة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!.
«قل» لهؤلاء المجاهيل المفترين على رسول الهدى أن الشر من عنده ، والمفترين على الله أن رسوله عدله في إصابة الشر والله هو مصيب الخير ، «قل كلّ» من الحسنة والسيئة المصيبة إياكم (مِنْ عِنْدِ اللهِ) قضية توحيد الربوبية ، فكما أن إصابة الخير لا بد وهي بإذن الله كذلك إصابة الشر ، ولكنهما في الأمور التكليفية كما يناسب الإختيار ، فمن يستحق الخير بما يقدمه يصيبه الخير ، ومن يستحق الشر يصيبه الشر (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) يتقولونه من هذا القبيل ، أو يسمعونه من رسول الوحي تصليحا لأخطاءهم الجاهلة ، فليس ـ فقط ـ أنهم (لا يَفْقَهُونَ) بل (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ) بسوء اختيارهم.
وهنا «عند» في كلتا الإصابتين تختص بالله دون مشارك من مصاب بهما أو سواه ، ف (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٦٤ : ١٢) (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) (٣ : ١٦٦) (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا) (٩ : ٥١).