٢ ذلك ولكي يعاكس الإسلام الحالة الجاهلية الدموية حتى عند الدفاع فضلا عن الهجوم ، فلا يتحول من مبدء دعوة صالحة الى ثارات وغارات تنسي معها مبدأ الدعوة الإسلامية السليمة.
٣ ومن ثم لو أذن ببسط الأيدي في العهد المكي لكان سببا لانتشاء معارك بيتية ، لاختلاف واختلاط الفريقين في جلّ البيوت ثم يقال : هذا هو الإسلام ، ولقد قيلت والإسلام أمر بالكف فكيف إذا أمر بالبسط ، ومن دعايات قريش في الموسم في أوساط القادمين للزيارة ، أن محمدا يفرّق بين الوالد وولده فوق تفريقه لقومه وعشيرته ، فكيف إذا أمر ببسط الأيدي منازعة وقتالا بين الأهلين.
٤ ذلك ـ وكما في قوم نوح (عليه السّلام) ـ كان من يعلم الله من قسم من المعاندين أنهم أنفسهم سوف ينقلبون مؤمنين واقعيين ومن جنود الإسلام المخلصين.
٥ ثم النخوة العربية من عادتها أن تثور للمظلوم المحتمل للأذى دون مراجعة ، ولا سيما الأذى بحق كرام الناس الذين كانت لهم سوابق سوابغ ، فقد يغربل كف الأيدي عن الانتقام هؤلاء فتنتج تلك الغربلة مناصرين لهؤلاء المظلومين ينحازون الى جانبهم وقد يؤمنون كما آمنت منهم جماعات ، ومن مظاهرها نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبي طالب بعد ما طال عليهم الجوع واشتدت المحنة.
٦ ومن وراء كل ذلك قلة عدد المسلمين وعددهم حينذاك وانحصارهم في مكة قبل أن تبلغ الدعوة بالغ الجزيرة ، ففي مثل هذه الظروف الملتوية المعرقلة على المجموعة المؤمنة المكتوفة الأيدي ، ترى ماذا كانت الحالة لو بسطت أيديها؟ في الحق إنها كانت بسطا لانمحاء الجماعة المؤمنة عن بكرتها ، إخفاقا لنائرتها