فالموحد المرائي ، أو الذي سوى بين الله وخلق له في شأن من شؤون الربوبية ولا سيما إذا كان عن جهالة ، إنه قد لا يغفر له إشراكه هذا ، ولكنه قد تغفر له سائر سيئاته إذا لم تحبط حسناته بإشراكه ، إذ لا يحبط كل إشراك بالله حسنات صاحبه ، فانما هو ـ كأصل ـ عبادة الطواغيت والأوثان.
ففرق كبير بين من يشرك بالله وأن يشرك به ، فعدم الغفر بالنسبة للمشرك يعم كل حالاته وأعماله ، و (أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) تختص بالعمل الذي يشرك فيه بالله دون سائر أعماله التي لا يشرك فيها بالله.
وترى الإلحاد في الله نكرانا طليقا كما يزعمه الماديون والدهريون ، تراه دون الإشراك بالله أو فوقه أو مثله؟.
إنه ليس دونه إن لم يكن فوقه ، أم هو مثله أو قسم منه حيث القائل بأصالة المادة يراها خالقة للخلق وهو إشراك في أصل الألوهية نكرانا للإله الأصل.
فكما أن العابد للوثن تارك لعبادة الله رغم إقراره بألوهيته ، كذلك العابد للمادة المؤله لها تارك لعبادة الله مع إنكاره لألوهيته ، بل وهو أضل منه سبيلا ، فانه انحس دركات الإشراك بالله.
وإذا كان الإشراك بالله تخلفا عن الفطرة والعقلية على أية حال ، فنكران وجود الله تخلف مثله أم هو أضل سبيلا.
وحصيلة المعني من الآية أن مادة الإشراك بالله عن علم لا يشملها غفر الله ، فمن مات يشرك بالله لا يغفر في شركه مهما لم يكن من المخلدين أبدا في النار ، وقد يغفر له غير اشراكه بالله ان لم تحبط أعماله بذلك الإشراك كالنازلة من دركاته.