و «أمنة» هي الأمن ذي الحراك ، تعني حالة آمنة مطمئنة ، و «نعاسا» هي بدل عن «أمنة» او عطف بيان أم صفة ، وهي على أية حال تضيق دائرة الأمنة بالنعاس والنعاس بالأمنة ، فقد ينعس الإنسان دون أمن نعاسا من شدة الفتور والمرض ، ولكنه نعاس يؤمّن.
فالنعاس ظاهرة باهرة من رحمات الله ، فحين يلمّ بالمجهدين المرهقين المفزعين وإن لحظة واحدة يفعل في كيانهم فعل المعجزة حيث يردهم الى حياة جديدة ، ويسكب في قلوبهم الأمنة وفي كيانهم الراحة (١).
وهنا تتقدم «أمنة» على «نعاسا» وفي بدر يتعاكسان : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) (٨ : ١١) واين أمنة من أمنة ونعاس من نعاس ، طالما يتشاركان في نازل النعمة الربانية رحمة على المسلمين.
ولقد غشاهم ـ كلهم ـ النعاس أمنة منه يوم بدر ، وتفرقوا في أحد إلى ثلاث : منهم من نعس دون تغشية وهو السنة قبل النوم ، وآخرون بتغشية هي كامل النوم ، ف (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) تعني أن الاخرى نعست دون تغشية ، وثالثة لم تنعس وهي التي (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ).
ثم «وطائفة» هنا مبتدء خبره «يظنون» ووصفه (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) فهم خارجون عن النعاس وغشيانه.
__________________
ـ فناموا وبقي أناس من المنافقين يظنون ان القوم يأتونهم فقال الله يذكر حين أخبرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ثم انزل ...
(١) روى الترمذي والنسائي والحاكم من حديث حماد بن أبي سلمة عن ثابت عن انس عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم احد وجعلت انظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت جحفته.
وفي لفظ آخر عن أبي طلحة : خشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم احد فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه.