ولأنهم كلهم ميتون ، فالمنادي للايمان على مدار الزمان هو القرآن ، نودي به أم لم يناد به ، فانه هو الناطق بالحق لمن ألقى السمع وهو شهيد ، مهما كان في نداء من يعرف القرآن رسوليا او رساليا دخلا في تفهم القرآن.
وذلك النداء أيا كان نداء صارم لا قبل له ببراهين الآيات الربانية آفاقية وأنفسية ، فليس نداء مجردا عن البرهان كما ليس مجردا عن البيان ، بل هو بيان وبرهان ، بيان ببرهان وبرهان ببيان.
و (يُنادِي لِلْإِيمانِ) دون (إِلَى الْإِيمانِ) كما (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وفوقهما (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)؟
لأنه نداء وسيط ، لا إلى الإيمان ككل ، ولا هدى دون وسيط كما في الصراط المستقيم ، فهو لمحة لامعة الى ان اولي الألباب تخطّوا المرحلة الاولي وهي النداء إلى الايمان ، فإنهم ـ مبدئيا ـ كانوا مؤمنين قبل النداء ، إذ كانوا يتحرون عن صالح الايمان ، فالقرآن ورسول القرآن لهم نداء للايمان ، اي لصالح الايمان حتى يكمل برسالة القرآن ، إذا «فآمنا» هو كمال الإيمان لحدّمّا لا بدايته البدائية فانها لغير اولي الألباب.
(رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) السابقة على هذا الايمان قصورا دون تقصير ، واللاحقة عن الايمان ، غفرا عما تهجم علينا من ذنوب فنقترفها ، ام نقتربها ، غفرا بعد واقع الذنوب كالأول ، وآخر قبل واقعها كالثاني.
(وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) وهي أصغر من الذنوب ، حيث الذنب ما يستوخم عقباه ، والسيئة هي أعم منها حين تنفرد ، وهي أخص منها حين تقرن بالذنوب كما هنا فهي ـ إذا ـ أصغر منها.
(وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) الذين هم براء من الذنوب والسيئات بما غفرت وكفرت.