وهذه حقيقة هي حقيقة بالتفكير الكثير ، كمقوم قائم من مقومات التصور الاسلامي السامي عن الكون كله ، والصلة الأصلية بينه وبين الإنسان فطريا وعقليا وحسيا وعلميا ، حيث يدل على ضوء هذه الجهات الأربع الإنسانية على خالق الكون من جهة وعلى الناموس الذي يصرفه وما يصاحبه من غاية وقصد وحكمة من أخرى.
وإن في ذلك لآيات لأولي الألباب ، آية الوحدة والحكمة والحيطة العلمية وفي القدرة الخلاقة أماهيه من آيات الربوبية ، وقد اتجهوا إليه سبحانه بدعاء خاشع منيب ـ والله من وراءهم رقيب مجيب ـ وهم يتدبرون كتاب الكون المفتوح بكل مصاريعه ، متأملين ما ينطق به آيات وما يوحي به من حكم وغايات.
فالعقول القشرية تكتفي بألفاظ الإيمان ، ومن ثم بعقيدة الإيمان والفكر دون العمل بالأركان ، فأما أولوا الألباب فهم يصدقون باللسان معتقدون بالجنان وعاملون بالأركان كما جمعت لهم هذه الثلاث في هذه الآية ، ابتداء بظاهر اللسان ثم التصديق بالجنان ثم التحقيق ، بالأركان ، فإذا كان اللسان مستغرقا في الذكر ، والأركان في الشكر ، والجنان في الفكر ، كان العبد مستغرقا بكل كيانه في العبودية وأصبح من أولي الألباب ...
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٩١).
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) قالا وحالا وافعالا في مثلثة الأحوال : (قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) فانها تحلق على كافة الأحوال فيصبحون هم أنفسهم بكل حالاتهم ذكر الله ، ومن مخلفاته التفكر في خلق الله ، ومن منتجات ذلك التفكر